اختيار الصديق
لا
بد للإنسان عامة والشباب خاصة أن تكون لهم علاقات وصداقات وأصحاب وأحباب يأنسون
إليهم في وقت فراغهم ويساعدونهم عند شدتهم ويستشيرونهم
فيما يلم بهم. وهذا أمر قد جبلت وفطرت عليه النفس البشرية فلا يمكن لها أن
تنفك عنه. ومن
المسلم به أن الناس يختلفون في اختيار الصديق والجليس باختلاف أفكارهم وارائهم
وطبائعهم وعاداتهم ميولهم
.
إن من الاختيار الأفضل اختيار الصديق الأفضل، لأن للصديق أثراً بالغاً في حياة صديقه وفي تكييفه فكرياً وأخلاقياً، صح في سنن أبي داوود أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، فالإنسان مطبوع على سرعة التأثر بالقرناء، سواءً في الخير أو في الشر، وكما قيل: "الطباع صداقة"، بل إن من وسائل الحكم على الإنسان أصدقائه.
إن من الاختيار الأفضل اختيار الصديق الأفضل، لأن للصديق أثراً بالغاً في حياة صديقه وفي تكييفه فكرياً وأخلاقياً، صح في سنن أبي داوود أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، فالإنسان مطبوع على سرعة التأثر بالقرناء، سواءً في الخير أو في الشر، وكما قيل: "الطباع صداقة"، بل إن من وسائل الحكم على الإنسان أصدقائه.
وفي الطبراني عن ابن مسعود -موقوفاً- أنه قال رضي الله عنه: اعتبروا الناس بإخوانهم. أي: احكموا عليهم بمن يصاحبون، ومن أجل هذا كله اهتم القرآن كثيرا بالصديق أو بالصاحب أو الخليل، والآيات في ذلك إما مفصلة أو عامة. قال سبحانه: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67]، وقال أيضا -جل وعلا-: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة:40]، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) [الفرقان:28]، وقال سبحانه: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء:100-101]، وقال -جل وعلا-: (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) [الكهف:34]، وقال تعالى (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ) [الصافات:51].
هل يستطيع المسلم أن يختار صاحبه؟ البعض يقول: لا يمكن، لأن الصديق قدر كوني شأنه شأن الوالدين والإخوة، فحيثما اتجهت في حياتك وجدت صاحبك. وهذا الكلام غير صحيح، ولو كان الأمر كذلك لما ورد لوم الآثم نفسه يوم القيامة بقوله: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا
بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أمر بالتأمل في نوع الصديق الذي تصاحبه، ومراجعة النفس ذلك عندما قال: "فلينظر أحدكم من يخالل"، فالإنسان محاسَب حتى في اختيار صاحبه؛ لأن بإمكان كل إنسان أن يختار مَن يصاحب، فيقترب من هذا ويبتعد عن ذاك، ويقطع علاقته بهذا ويستمسك بعلاقته بذاك.
وقد يبدأ مسار الصحبة في مكان يجمع بين الناس كالمدرسة أو الجامعة أو العمل، وقد تبدأ الصحبة بموقف ما، قد تبدأ بمجلس، أو تبدأ بمأدبة عشاء أو غداء فينقدح للنفس ميل تجاه حديث تحدث به، أو سلوك راقٍ سلكه، أو خلق تخلق به، فيتطور ذلك الميل إلى حرص على الصلة به، ودعوته للمناسبات، أو يتطور الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك، كصحبة في سفر أو نحوه، حتى تتشكل الصداقة أو الصحبة.
إن دوافع الصحبة أنواع، فقد تكون دوافع الصحبة دنيوية كالانتفاع بمال صديق، أو الانتفاع بسلطانه وجاهه أو نسبه، أو علمه الدنيوي، أو الاستئناس بحسن معشره والجلوس معه، وكلها أمور تباح أو تحرم بحسب نية كل إنسان، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ ولذلك قد يقصد بالصحبة والصداقة وجه الله تبارك وتعالى ومنفعة الآخرة، وقد يشترك مع الدافع عدة فوائد وأغراض متداخلة، مثل الرغبة في الاستفادة من العلم النافع الذي يتمتع به ذلك الصديق، وفي الوقت ذاته الرغبة في الانتفاع بوجاهته. وأشرف الدوافع في الصُّحبة بلا شَكٍّ هو تمنِّي الوقوع تحت ظل الله -عز وجل- يوم القيامة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يُظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه..."، قال: "ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".
ومن أشرف الغايات كذلك اجتماع القلوب، قلوب الأصدقاء على محبة الله، والآن، ما هي الصفات التي تؤهل المرأة لكسب صداقتك؟ إن الصداقة درجات، فمن الأصدقاء من هو شديد القرب من صاحبه، ومنهم من ليس كذلك، ولا شك أن صفات من هو قريب التي أهلته لذلك القرب لابد أن تكون مميزة.
فنقول: أول صفة ترفع شأن الصحبة الإيمان، كلما زاد إيمان الفتى كان أحظى بالصداقة من غيره، بل نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- من مصاحبة غير المؤمن، ففي السنن، من حديث أبي سعيد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقيٌّ"، قال ابن تيمية: فالمصاحبة والمصاهرة والمؤاخاة لا تجوز إلا لأهل طاعة الله. وجاء عن سعيد بن المسيب: واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله -عز وجل-. وقد صح في البخاري من حديث أبي موسى -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً, وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً"
الصفة الثانية في الصديق هي الصدق، والصدق يشمل صدق اللسان، وصدق الموقف، وصدق الموقف أي صدق الأهل والوعد، وصدق النصح، وصدق المشاعر، لا يشرك في صحبته لك مصلحة دنيوية إذ انقضت مصلحته انقضت معها حرارة صحبتك، فالصديق الصادق هو الذي يصحبك في الله ولله، يفرح لفرحك ويحزن لحزنك، ويقف معك في الضراء ويعينك على الخير ويمنعك عن الشر، وقد قيل: صديقك من صَدَقَك، لا من صَدَّقك.
الصفة الثالثة: سلامة الندماء، انظر هذا الذي تصاحبه، مَن هم أصحابه؟
وإذا أردت أن ترى فضيلة صاحبه فانظر بعين البحث عن ندمائه، ولذلك؛ فندماء الرجل
الصالحون علامة رشد فيه، وحسن اختيار له؛ لأن عاقبة الندماء الصالحين إلى خير
دائماً، نجد ذلك في الأصحاب الصالحين الذين يقود بعضهم بعضاً برشاد الرأي، كما حصل
للثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة في الغار، لقد كانوا صالحين.
علينا أن نراجع أنفسنا فيمَن نصاحب، أن نراجع وأن نصحح، فإن للصاحب أثراً عظيماً على كل واحد منا.
اللهم أصلح حالنا وحال امتنا...
المصدر :
Komentar
Posting Komentar